في مثل هذا اليوم من عام 1913 ولدت الكاتبة والفنانة الجزائرية طاووس عمروش بتونس واحتفل بها محرك البحث جوجل وغيّر شعاره على صفحته الرئيسية.
تعتبر أول روائية جزائرية عُرِفت بحفاظها على الموروث الثقافي الأمازيغي و ترجمت الأشعار القبائلية إلى اللغة الفرنسية. طاووس عمروش هي تلك الكاتبة الأديبة والفنانة القبائلية التي عانت ألم التهميش و وجع المنفى فكان صوتها و قلمها عِبقًا للهوية المنسية، حملت خلاصة الثقافة الشفهية التي ورثتها عن والدتها، التي خلدّتها لاحقا في كتاب جمع بين الاسمين الفرنسي والبربري “مارغريت طاوس”، شاركت عام 1966 في إنشاء الأكاديمية البربرية بباريس .
في مذكّراته، يقول عنها أخوها الأكبر، الكاتب الصحفي والشاعر جان عمروش، إنها كانت تمثّل في العائلة "الجانب المؤلم والمتحفّظ"، وإنها لم تكن تُثبت نفسها إلا في التمرّد المطلق. هذا ما يتجلى بقوة في دفاترها الحميمة التي تصدر للمرة الأولى عام 1995.
قال عنها مالك حداد “بصوت الطاووس عمروش تقدم الجزائر أوراق اعتمادها لمملكتي الله والناس”. وعنها قال المفكر الفرنسي الكبير أندريه بروتون “إنها الملكة نيفرتيتي بعثت في زمن آخر”.
في إيغيل علي (بجاية)، أسّس شباب القرية جمعية “طاووس عمروش”، التي تضم كل الوثائق التي تؤرخ لسيرة الكاتبة من صور وكتابات. جدران الجمعية تزيّنها مجموعة من صور عائلة عمروش، الأم فاظمة، صاحبة الكتاب الرائع ”قصة حياتي”، والابن جان موهوب، وفي صورة أخرى تظهر عائلة عمروش مجتمعة توحي بالتعلق الكبير الذي كانت تبديه الابنة طاووس تجاه والدتها.
وكانت عائلة طاووس عمروش من صفوة المثقفين الجزائريين الذين تنكّر لهم بلدهم خاصة بعد اعتناقهم للكاثوليكية الرومانية، وقد فرّت بعد معاناتها من الإضطهاد في موطنهم لأسباب إيديولوجية.
فكانت والدتها فاظمة آيت منصور التي تصفها طاووس دوما بأنها عبارة عن شجرة مثمرة، واحدة من مُؤسِّسي الحركة النسوية في الجزائر والشاعرة والروائية صاحبة الكتاب المؤثّر "قصة حياتي"، أمّا شقيقها جان عمروش صاحب مقولة "أكتب بالفرنسية وأبكي بالقبائلية" فكان شاعرا ومناضلا ونشر في تونس بمساعدة صديقه الكاتب الفرنسي أرمان غيبير مجموعتين شعريّتين الأولى بعنوان "رماد" (1934) والثانية تحت مسمّى "نَجمة سرِّيَّة" (1937). كما صدر له سنة 1939، ديوان بعنوان "أغان بربرية من بلاد القبائل" تولى فيه ترجمة قصائد أمازيغية تعلّمها من والدته فاظمة آيت منصور إلى اللغة الفرنسية.
تعتبر طاووس عمروش أوّل كاتبة جزائرية أمازيغية نشرت باكورة أعمالها سنة 1947 بعنوان "الزنبقة السوداء" (Jacinthe noire). الكتاب الذي عرّت فيه وجع بحثها عن الهوية المفقودة في سيرتها الذاتية وكانت روايتها البكر أول رواية تُنشر في فرنسا بقلم مؤلفة من شمال إفريقيا، الى جانب عدد من المؤلفات الأخرى من بينها "الياقوتة السوداء" 1947، "طريق الدفوف" 1960، "البذرة السحرية" 1966، العاشق المتخيل 1975، "دفاتر حميمة"، عزلة أمي (1995) الصادرة بعد وفاتها.
وإلى جانب شغفها بعالم الكتاب والإبداع، لمع نجم طاووس في عالم الموسيقى الذي حاكت فيه سردية منسية عمّا يعيشه المجتمع الأمازيغي بالجزائر، فأدت العديد من الأغاني الأمازيغية من خلال النمط الغنائي "آشويق" وهو نوع من الفن القبائلي والموسيقى الأمازيغية التي تخصصت فيها نساء منطقة القبائل في الجزائر، وأصدرت في هذا الإطار عديد الألبومات الغنائية منها "أغان قبلية أمازيغية" سنة 1967، "أغان من جبال الاطلس" سنة 1971، و"أغاني حجر الرحى والمهد" سنة 1975.
تمت دعوتها إلى الجزائر نهاية الستينيات لتحاضر حول أخيها جان الموهوب عمروش، وعادت مرة أخرى بدعوة رسمية من طالب الإبراهيمي، وزير الثقافة والإعلام آنذاك، لتكون ضيف شرف المهرجان الثقافي الإفريقي الذي احتضنته الجزائر سنة 1969 بدون أن تعتلي منصة الغناء. لكن طاووس عبّرت يومها عن رفضها لهذا القرار الذي اعتبرته إجحافا في حقها بمقال مطول نشر في صحيفة "لوموند” الفرنسية،
وتحدت قرار السلطات يومها، واعتلت منصة الغناء أمام الطلبة والشباب فكانت بداية تردي العلاقة بينها وبين السلطة الجزائرية خاصة عندما فتحت النار في ثالث زيارة للجزائر على العديد من المسؤولين والوزراء فتم احتجازها بمطار هواري بومدين الدولي ولم يطلق سراحها إلا بعد تدخل سفير الجزائر بباريس يومها رضا مالك.
ومن تلك الحادثة لا أحد يجرؤ في الجزائر على الحديث عن الأديبة والكاتبة والفنانة طاووس عمروش التي غابت سيرتها في المنهاج الدراسي و كتب التاريخ!
عاشت طاووس عمروش وعائلتها واقعا مريرا من النسيان والتنكّر وطمس السيرة من بلدها الجزائر بعد الاستقلال، وتمّ إتلاف تسجيلاتها من القناة الثانية، إلى أن رحلت بعد رحلة مع مرض السرطان في 2 أفريل 1976 لتوصي بدفنها في فرنسا وأن لا يكتب أي شيء على شاهد قبرها سوى اسمها "طاووس"...
ونظرا للقيمة الأدبية والتراث الأمازيغي الذي أعادت احياءه، تمت تسمية دار الثقافة بولاية بجاية باسمها تكريما لأعمالها الأدبية والفنية.
التحرير
Komentáře