رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان: «الجزائر تتقدم في الدفاع عن حقوق الإنسان، لكن التحديات لا تزال قائمة»
- cfda47
- 19 فبراير
- 4 دقائق قراءة

استضاف منتدى “المجاهد” صباح أمس عبد المجيد زعلاني، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان (CNDH)، في جلسة نقاش حول واقع حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية في الجزائر. خلال مداخلته، قدّم زعلاني تقييماً للوضع الوطني، متطرقاً إلى ما يعتبره "تقدم محرز"، مع التأكيد على "التحديات التي لا تزال تواجه البلاد".
في بداية خطابه، أثنى رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان على دور وسائل الإعلام في نشر النقاشات حول حقوق الإنسان، وقال: "أود أن أشكر جريدة "المجاهد" على التزامها الإعلامي ودعوتها الكريمة للمشاركة في هذا المنتدى. كما أحيي مهنيتها العالية، فهي صحيفة تاريخية تواصل أداء دورها بوضوح، معتمدة على مبادئ الحقيقة والقيم النبيلة"، ومع ذلك، عبّر عن أسفه لغياب بعض الأطراف التي تندد بانتهاكات حقوق الإنسان، مؤكداً أن هذه النقاشات ينبغي أن تكون مساحة للحوار المفتوح والنقد البناء.
قبل التطرق إلى الوضع في الجزائر، استعرض زعلاني الأسس الدولية لحقوق الإنسان، مشيراً إلى أن هذه المسألة أصبحت مؤسساتية بعد الحرب العالمية الثانية، مع تبني ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، ثم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948. وأوضح أن العديد من الاتفاقيات الدولية عززت هذا الإطار القانوني، مثل تلك المتعلقة بحقوق الطفل، وحقوق المرأة، وحماية اللاجئين، وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
وأشار إلى أن العهدين الدوليين لعام 1966 – العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية – أضفيا طابع الإلزام على هذه المبادئ.
كما أكد أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومقره جنيف، يلعب دورًا رئيسيًا في تقييم التزامات الدول من خلال آلية الاستعراض الدوري الشامل (UPR). وذكر أن الجزائر قدمت تقريرها الأخير في 7 نوفمبر 2022 أمام أكثر من 120 دولة، حيث سلط التقرير الضوء على الجهود المبذولة في البلاد، وقدم توصيات حول حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، وحقوق الأطفال وحمايتهم، وحقوق اللاجئين وطالبي اللجوء، وحرية التعبير ودور وسائل الإعلام.
أقر زعلاني بأن "الجزائر، كغيرها من الدول، لا تزال تواجه تحديات كبرى". ومن بين هذه التحديات، أشار إلى "ضرورة الموازنة بين الأمن واحترام الحريات الأساسية، وحماية الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ومحاربة جميع أشكال التمييز، وضمان استقلالية القضاء وفعالية آليات المحاسبة"، وقال: "علينا العمل معًا – الحكومات، والمنظمات، والمجتمع المدني – لترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في مجتمعاتنا وتعزيز الوعي بأهميتها. فحقوق الإنسان ليست مجرد قوانين، بل هي قيم علينا حمايتها وتعزيزها."
على الصعيد الدولي، أكد زعلاني أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يفضل التعاون مع المؤسسات المماثلة بدلًا من السفارات أو الدول. ويأتي هذا النهج في إطار شبكة تضم المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في إفريقيا والعالم العربي، حيث شاركت الجزائر في اجتماعات في الدوحة وأبوجا لمناقشة التحديات والفرص المتعلقة بحقوق الإنسان. كما أن المجلس عضو في شبكة عالمية تضم أكثر من 100 مؤسسة مماثلة حول العالم.
أما على المستوى الوطني، فقد أشار زعلاني إلى الإصلاحات التي تهدف إلى تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، خاصة بعد التعديلات الدستورية لعام 2020، التي أكدت دور الدولة في ضمان التعليم والرعاية الصحية للجميع. وأكد أن "الحق في بيئة سليمة أصبح الآن حقًا أساسيًا، على غرار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية."
وأضاف أن حرية العمل النقابي وحرية التعبير من بين الأولويات الحالية، مشيرًا إلى أن الإصلاحات التشريعية تهدف إلى تنظيم القطاعين النقابي والإعلامي بشكل أكثر احترافية. ورغم الانتقادات التي وُجهت للقانون الجديد حول النقابات، إلا أنه يعتبر خطوة ضرورية لضمان تمثيل أفضل للعمال وتعزيز الشفافية في وسائل الإعلام.
ومن المتوقع أن تنهي الجزائر ولايتها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومجلس الأمن في نهاية عام 2025، حيث سيتم تقديم تقرير شامل حول الجهود المبذولة في مجال حقوق الإنسان.
وأكد زعلاني أن النقد البناء للقوانين والممارسات يجب أن يتم ضمن إطار منظم، بعيدًا عن الفوضى، قائلاً: “لن تكون هناك حقوق إنسان ولا حرية ولا أي شيء آخر في ظل الفوضى.”
وشدد على أن النقابات يجب أن تركز على الدفاع عن مصالح العمال، وألا تخرج عن مسارها الأساسي المتمثل في الدفاع عن الحقوق الاجتماعية والمطالب العمالية. وأضاف أن "الإضرابات يجب أن تتم لأسباب نقابية مشروعة، لا أن تستخدم كأداة لزعزعة النظام العام".
فيما يتعلق بحرية التعبير، أشار زعلاني إلى أهمية أن يكون النقد هادفًا ومبنيًا على حلول واقعية، منتقدًا من يكتفون بالانتقاد دون تقديم بدائل حيث قال: "حرية التعبير تعني أن أقول شيئًا مفيدًا لي وللشخص الذي أخاطبه"، مستشهدًا بتعاليم الفيلسوف الصيني كونفوشيوس حول أهمية الكلمة البناءة.
أبرز زعلاني "الدور البارز الذي تلعبه الجزائر في المحافل الدولية لحقوق الإنسان"، مشيدًا بدورها في الدفاع عن حقوق الشعب الصحراوي وحقه في تقرير المصير. وذكر أن "الجزائر حققت حضورًا قويًا في الهيئات الدولية، وخاصة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة". كما أشار إلى القرار التاريخي الذي تبنته الدول الإفريقية، والذي يعتبر الاستعمار والعبودية والترحيل جرائم ضد الإنسانية، معتبرًا ذلك انتصارًا لحقوق الشعوب المضطهدة.
تطرق زعلاني إلى مسألة الحبس الاحتياطي، مشيرًا إلى أن هذه الممارسة، رغم كونها تخضع لضوابط قانونية، تؤدي في بعض الحالات إلى احتجاز الأشخاص لفترات أطول مما ينبغي. وأوضح أن القضايا المعقدة قد تؤدي إلى تأخير المحاكمات، مما يطيل أمد الاحتجاز المؤقت. وأشار إلى أن بعض الحالات تبرر الحبس الاحتياطي، لا سيما عندما يشكل الشخص خطرًا على التحقيق أو على الآخرين.
كما شدد على ضرورة تجنب الانحرافات التي قد تؤدي إلى انتهاك حقوق الموقوفين. وأوضح أن إصلاحًا قانونيًا جرى عام 2001 للحد من هذه الظاهرة، لكنه لم يكن كافيًا للحد من التجاوزات. وأكد أن هناك حاجة إلى إصلاح أعمق لمنع احتجاز الأشخاص دون سبب قانوني لفترات طويلة، مشيرًا إلى أن لجنة الإصلاح القضائي تواصل العمل على هذه المسألة.
كما أكد زعلاني أن العدد الكبير من الملفات القضائية يؤدي إلى تأخير في اتخاذ القرارات، مما يفاقم مشكلة الحبس الاحتياطي. ومع ذلك، شدد على ضرورة احترام القضاة للقانون وضمان حقوق المحتجزين في جميع الأحوال.
حكيم. ش
Kommentare