بدأ الكاتب الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو بمعارضة فِكْر الحكم بالإعدام منذ الوقت الذي سمع فيه قصة أبيه الذي شهد عملية إعدام علانيةً، و هو ما ذكره في كتابه «المقصلة» سنة 1957. لكنه لم يقل شيئا عن إعدام الشهيد أحمد زبانة بنفس الوسيلة الوحشية التي أدانها في كتابه لاحقا.
يقول ألبير كامو في مقدمة كتابه: «دفعنا طيشنا المتعجرف، المعروف عنا، إلى الفخر بأننا اخترعنا هذه الوسيلة السريعة والإنسانية».
في بداية الكتاب، يحكي ألبير كامو قصة واقعية: « في مدينة الجزائر حُكم بالإعدام عن طريق المقصلة، على قاتل ارتكب جريمة شنعاء، فقد ذبح أسرة من المزارعين مع أطفالها… أثارت القضية ضجة يومها، وساد الاعتقاد بان قطع الرأس عقوبة خفيفة بالنسبة لمثل هذا الوحش… والدي تأثر للحادثة واستنكر بشدة، خاصة لقتل الأطفال… هكذا أراد أن يشهد تنفيذ الحكم، للمرة الأولى في حياته، ليشفي غليله في المجرم. [...] نهض ليلا ليذهب إلى مكان التنفيذ، وسط جمهرة كبيرة من الشعب. أما ما رآه ذاك الصباح فلم يرو لأحد عنه شيئا. وتروي أمي فقط أنه عاد كالعاصفة، متجهم الوجه، ورفض أن يتكلم، وتمدد لفترة من الزمن على السرير، ثم اخذ فجأة يتقيأ، كان قد اكتشف الحقيقة التي تختفي، تحت الصيغ الكبيرة، التي تقنع بها، فبدلا من التفكير في الأطفال المذبوحين، لم يعد بوسعه ألا يفكر بذلك الجسم المختلج، الذي ألقي به على لوح خشبي لتقطع عنقه» (ترجمة جورج طرابيشي، دار المدى).
وظهرت معارضته بوضوح في كتاباته ولم تكن هذه المعارضة فلسفية على وجه التحديد فهي لم تستند على أيةِ نظرية أو مبدأ أخلاقي معين؛ بل كانت إنسانية ناجمة عن وعي ضميره، وأيضاً فيكتور هوغو سلفه الأسبق في معارضة عقوبة الإعدام- كان ينظر إليها كفعلٍ همجيٍّ مشين وانتقام مغطى تحت سترة القانون لتصبح مقبولة وغير مستفزة للأحاسيس وعَدَّه فعلاً انتقاميّاً لا يستهدف سوى الفقراء والمضطهدين.
الغريب في الأمر و المؤسف أيضا ، أنّ البير كامو لم يقل شيئا عن إعدام الشهيد أحمد زبانة بنفس الوسيلة الوحشية التي أدانها في كتابه لاحقا.
قام المستعمر الفرنسي يوم 19 جوان من 1956، بإعدام الشهيد أحمد زبانة (اسمه الحقيقي أحمد زهانة)، ويعتبر أول شهيد نفذ فيه حكم الإعدام بالمقصلة، منذ اندلاع ثورة التحرير. للعلم فإن الشهيد أحمد زبانة شارك في عملية البريد بوهران عام 1950.
وفي 3 مايو 1955 نقل زبانة إلى سجن بارباروس بالجزائر العاصمة وقدم للمرة الثانية للمحكمة لتثبيت الحكم السابق الصادر عن محكمة وهران، ومن سجن برباروس نقل زبانة إلى سجن سركاجي.
وفي يوم 19 جوان 1956 في حدود الساعة الرابعة صباحا أخذ زبانة من زنزانته وسيق نحو المقصلة وهو يردد بصوت عال: « إنني مسرور جدا أن أكون أول جزائري يصعد المقصلة، بوجودنا أو بغيرنا تعيش الجزائر حرة مستقلة ». ثم كلف محاميه بتبليغ رسالته إلى أمه.
وكان لهذه العملية صداها الواسع على المستوى الداخلي والخارجي، فعلى المستوى الخارجي أبرزت الصحف (أغلبها فرنسية) صفحاتها الأولى صورة الشهيد أحمد زبانة وتعاليق وافية حول حياته. مما أعطى للثورة سمعة دولية، وترك الكثير من المفكرين والكتاب والمناضلين يلتحقون بها أو يتوجهون الى تشكيل جمعيات مساندة لفضح الممارسات الاستعمارية البشعة ضد الجزائريين، فالتف حولها المتطلعون الى الحرية وحقوق الإنسان.
أما داخليا فقد قامت في اليوم الموالي أي 20 جوان 1956 جماعة من المجاهدين بناحية الغرب الجزائري بعمليات فدائية جريئة كان من نتائجها قتل سبعة وأربعين عميلا وإعدام سجينين فرنسين.
وكان شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا، شاهدا على عملية إعدام الشهيد أحمد زبانة؛ لهذا كتب قصيدة مؤثرة وقويّة عنه تحت عنوان: «الذبيح الصاعد».
وقام المخرج الجزائري سعيد ولد خليفة، بأخراج فيلم سينمائي عن الشهيد أحمد زبانة سنة 2012، تحت عنوان “زبانة”، هذا الفيلم التاريخي، عرض على القناة الوطنية Canal Algérie.
كما عُرض الفيلم بسينما «ماجستيك» بمدينة «بوبيني» بضواحي باريس الفرنسية. وتم عرض هذا الفيلم في إطار المهرجان الدولي الثالث عشر لسينما «ريزونونس» المنظم بمدينة بوبيني.
تم إطلاق اسم أحمد زبانة على متحف أحمد زبانة وملعب أحمد زبانة بمدينة وهران إحياءاً لذكراه.
ليلى مكري
Comentários